الخاسر الاكبر

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
مع كل هذا التركيز لنظرتك،ف أصل دائماً عند حقيقة تقول أن كل هدف يستصعب على شخص أو مجموعة للوصول إليه سيضع له كل ما يلزم ليحققه ، وبطبيعة الحال ، كلما كبر الهدف فإن الطرق إليه والمجهود المبذول يصبح أكبر بل وقد يصبح متشعباً ..هذه معطيات اولية في بداية تحليل أي مادة
المهم ..في استقراء علمي،واستدلال عقلاني  في الإطار التاريخي ليتبين لنا أنّ وجود المؤامرة  رافق بدء وجود البشرية ،
فأغلب الديانات تتحدث عن قتل «قابيل» أخاه «هابيل» وهما من أبناء «آدم» عليه السلام...كان الصراع بينهما صراع الحق مع الباطل ، فلقد مثّل«هابيل»الإيمان والحق بينما مثّل«قابيل»الباطل،وقدّما لربّهما بعد أن طُلب منهما قربانين تقرباً منه عزّ وجل،فكان حُسن اختيار«هابيل»لما قدّم ، ورفده له بالحب والطاعة ، بينما لم يُحسن «قابيل» الاختيار ولم يمتثل لطاعة ربّه فيما قدّم،فتقبّل الله قربان الأول،ولم يتقبّل من الثاني،وفي حديث لهما عاتب «قابيل» أخاه قائلا ً:لقد تقبّل الله منك،ولم يتقبّل مني،فردّ غليه     " إنما يتقبّل الله من المتقين لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين "  
سورة المائدة 27,28 فقتله،ودفع«هابيل»حياته ثمناً لما يؤمن به.
   هده المقدمة غنية بما تحوي من مضامين عديدة تضعنا أمام فلسفة التاريخ،
وعن هذه الفلسفة يقول المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع إبن خلدون:
(التاريخ فرع من الفلسفة،وهو علم عقلي،وللتاريخ ظاهر وباطن،فالظاهر لا يزيد عن أخبار اليوم والدول والسوالف من القرون الأولى،وباطن التاريخ نظر وتعليل للكائنات عميق،فهو لذلك أصل الحكمة وجدير أن يعتبر في علومها) 
  ومن خلال هذه المنطلقات النظرية تصبح المؤامرة مسلمة من مسلمات العقل الإنساني ومنها العربي،وبالتداعيات الفكرية وربطها بين البدايات والنهايات نجد أن المحرك لكل الاضطرابات الدولية قديمها وحديثها،وعلى مختلف مستوياتها يجمعها عنوان واحد وهو التناقض في جميع مستوياته الفكرية ، والأهم هو تناقض المصالح.
  ويبدأ بعد ذلك التدرج التناقضي، فالخلاف في الرأي تناقض وهنا تتبدى فكرة استحالة جمع التناقضات،لكن أخيراً عمد الكثير من المفكرين إلى تصنيف للتناقضات إلى نوعين:تناقضات رئيسية وأساسية تبقي المجتمعات في حالة صراع دائم،وتناقضات ثانوية يمكن تأجيلها،أو السكوت عنها والعمل على حلها بغرض تأمين سلامة المجتمع،وتعزيز قدراته في جميع المجالات الفكرية،السياسية،الاقتصادية،والعسكرية.
   لأهمية البحث في جانبه العلمي النظري،وضروراته الآبدة الدائمة  في تحليل الوقائع التاريخية المُعاشة،والربط بينها وبين قواعد وضعتها فلسفة التاريخ بهدف الوصول إلى حلول مستقبلية لمعاناة الأمة،والشعوب....ذلك ما يُلزمنا الاستمرار في تحديد وتدقيق لمفهومي النظرية والمؤامرة،فالنظرية في واقع الحياة ما هي إلا المطابقة بين الآراء التي تحاول تفسير الوقائع العلمية والظنية،وفي الدراسات الإنسانية فهي معنية بتوضيح الظواهر الاجتماعية والإعلامية،والتي تأثرت بالتجارب والأحداث،والمذاهب الفكرية،والبحوث العلمية التطبيقية...من هذا التعريف راحت النظريات الاجتماعية،وعلى سبيل العدّ لا الحصر فهناك نظرية الثورة الاجتماعية،نظرية الإرادة الحرّة،ونظرية السياسة التي تتجمع في فكرة التغيير الاجتماعي الدائم.
وفي السياق ذاته،فالمؤامرة عبارة عن صراع يأخذ أبعاداً شتى بين الأفراد،أو المجتمعات،أوالدول،وهكذا يصبح مناخ عام تكون  بفعل عوامل من التقصير والتقاعس عن بناء الذات،وتحصينها بكل مقومات القوة والمنعة شأنها في ذلك شأن الأجسام التي فقدت مناعتها بعوامل مرضية فأصبحت مرتعاً خصباً لكل أنواع الجراثيم  ،  ومرضى العقول المتخاذلة يرون في المؤامرة التبرير والراحة لضمائرهم الأشد مرضاً،

  • وهنا ابحث عن المشكلة وفيها لا تبحث عن المسئول
قد يبدو غريبًا تشابه المجتمعات المتخلفِ منها مدنيًّا والمتطور في البحثِ عن من يتحمل مسئولية الفشل وليس عن أسبابه وعلاجه، لكن هذا ليس غريبا إذا ما علمنا أن الفكر الحضاري هو السبب، وبفقدان الفكر الحضاري تتساوى الشعوب في اهتماماتها الغريزية وما ينتج عنها من تبرئة الذات مثلاً وإلقاء مسئوليَّة الفشل على الآخرين.
تتنوع الأمم اليوم مابين أمم غير معترفة بحضارتها الفكرية وأمم جاهلة لها، لكن هنالك من الأمم من يحافظ على قيمه فيبقى يعلم ما يريد.. من أجل هذا فهو يبحث عن معالجة ما يعترضه من إخفاقات ونادرًا ما يتجه لتحميل مسئولية ما لشخص بعينه أو يهرب المتسبب من المشكلة، ولعلّني أذكر هنا “اليابان” استحسانًا بما ظهر من سلوك ليس بمدنيّ وإنما حضاريّ سواء في عموم تعاملهم مع تحمل المسئولية والاهتمام بما يلزم لعلاج الأزمات، وظاهرة تستحق الاحترام بعد ما حصل من “تسونامي” وتبعاته وسلوك مجتمع يستحق التقدير بذات أسلوبهم المهذب في التعامل مع الآخرين, أنهم قرّروا أن يتفاعلوا مع المدنية بأخلاق خدمةِ أمتهم فكانوا شيئًا وصاروا اليوم مثلاً وأنموذجًاأأمننمبي.
لا نجد هذا في الولايات المتحدة ولا في أوربا ولا عندنا، ونحن شعبٌ متَهَمٌ الإسلام به, لكنّنا نجهل الإسلام ونجهل عليه كما هو حال غيرنا، وسلوكنا وإعلامنا المتدني في التعريف عن أنفسنا ونحن نظن كل الظن أننا مسلمون لمجرد الاندفاع والدفاع الغريزي عن الدين ورموزه السابقين واللاحقين، نُؤخذ من أنفسنا ونُدمر بأيدينا وأموالنا فلا نحن دافعنا فعلًا ولا نَهينا أو مَنعنا غيرنا من إيذائنا.. بل أعنَّاه على فتنته وضعف فهمه وحماقته فكنا كإبليس يغوي وقد أغوى نفسه فمصيره ومن يتبعه إلى جهنم الآخرة!, ونحن أحلنا دنيانا جحيمًا مقيما بهذا التكبر الفارغ وامتناعنا عن التفكير.

هذا ليس جلدًا للذات كما اعتدنا أن نسمي وإنما هو وصفٌ لحقيقة نراها حين نريد التغيير بأدوات التخلف الذي نشأنا فيه، حين نريد أن لا نحقق ولا نتحقق من أي شيء، حين نقبل أن نكون فرقا نعترف ببعضنا من باب احترام الرأي ولكن لا يفكر أحد بمراجعة نفسه وإن راجع فإنّه يبحث عن تبرير وتفسير لينصر به رأيَ فرقته فما ازداد إلا تيها، علينا قبول بعضنا ولكن علينا أن لا نرضى لأنفسنا الجمود والتوقف عن المراجعة، مراجعةُ من يريد الحقيقة وبنفس لوّامة، فليس كافيًا أن أبتعد عن حرمات الله وأنصح بالابتعاد عنها بل هل سأرتكبها إن خلوت بها!
هذه التربية النفسية التي لا تقبل التبرير للذات فردًا تنشأ مجتمعًا وليس مراقبتي للآخرين وأنا في داخلي بركان خامد من ثورة المعاصي وضعف اليقين، الأمر ليس تدينًا أيها السادة فالدين غريزة، لكنه التفاف يقيني يستحق أن يتجه إلى الله كل منا ويسأله الثبات ومعرفة الصواب والهداية.
إنَّ مشاكلنا اليوم كلنّا مسئولين عنها، لا نبحث عن شخصٍ أو فئةٍ أو جماعة، فلنعرف المشكلة ولنحاول معرفة ما هو الحل، وليس الحل بالتنظير والكلام “الفهلوي” – كما يقولون – ولا بالكلام الطنّان والمواقف التي لا تؤدي إلا للقطيعة والضياع، بل بالصراحة، ماذا نريد، “هل أنا صالح لتوجيه الناس؟، هل أترك القيادة لغيري؟“، وكل هذه الأسئلة تأتي من الصدق ومعرفة الهدف قبل التخطيط للرفعة والهيمنة، حين نحب أرضنا لن نجوع، وحين نحب بعضنا لن نختلف بالسّيف والكلمة البذيئة، وحين نتوقف عن الرقص حول الأجساد التي عرضت لنا كمذنبين ونترك الحكم للقضاء وننشغل في العلاج لمشاكلنا عندها لن نكون محض غوغاء تائهة وإنما أمّة مهذبة تعرف طريقها.
لقد فتكت بنا عقول الشر الطائفية ومنظومة تنمية التخلف بجهلتها ورؤوسها وبقينا نفكر ورؤوسنا إلى الوراء حتى ما عدنا نرى لنا مستقبلًا.. لقد قرأنا التاريخ ولكننا لم نصدق في قراءته، وقرأنا القرآن ولم نتفكر به، وديننا هو الإسلام فلم نتميز به… فهل من عقل رشيد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق