لـمـن تـعـتـذر.. وتفتح معه صفحة جديدة؟!

بقلم أ. عباس مشالي
عندما يفكر الإنسان فهذا يعبر عن وجوده واستقلاليته وهذا عامل صحي. إلا إن الاختلاف قد يتفاقم ويتراكم فيؤدي إلى ما لاحمد عقباه ما بين البشر: بين الأخ وأخيه، وبين الزوج وزوجته وحتى ما بين الأب وابنه. وهنا يبرز عنصر هام للغاية من عناصر ثقافة الاختلاف ألا وهي فضيلة "التسامح والاعتذار". فما هي مظاهر ومباديء هذه الفضيلة التي قد نفتقدها أحيانا كثيرة؟ هذا ما سيحدثنا به الكاتب عبر تقديم خلاصة تجربته  الحياتية والأكاديمية حتى تكون نبراسا لكل من يقرأها ويستلهم معانيها في جميع جوانب الحياة  فلنتأمل ونقرأ باهتمام:


كي نتخلص من الماضي ونبدأ بإطلالة التغيير والتطوير والحداثة لا بد لكل واحد منا
أن يتطلع إلى الوراء ولو بنظرة خاطفة

إلى الصفحة التي نطويها، قبل أن نفتح صفحة جديدة، فمهما بلغ وزن الصفحة
بكثرة أحداثها أو قلتها لا بد لنا إلا أن نطويها مع بعض التقييم وحساب النفس،
أين أخطأنا.. وأين أصبنا؟
هل نستحق التقدير وهل نجرؤ على الاعتذار؟ كل هذه الأسئلة لا بد لها أن تكون
ضمن حساباتنا قبل أن نطوي صفحة من كتاب العمر.
يستوقفنا السؤال الذي جئنا على ذكره في السطور السابقة "هل نستحق التقدير
وهل نجرؤ على الاعتذار"؟ ثم نضع موضوع التقدير جانبا من منطلق أن لا أحد
يقدر على تقييم شخص كما الشخص نفسه، فكل منا يعرف نفسه جيدا، 
ونبقى مع
الجزء الثاني من السؤال وهو موضوع الجرأة على الاعتذار، وفتح صفحة جديدة
مع شخص أخطأنا بحقه أو ظلمناه أو اقترفنا ذنب بحقه سواء بقصد أو بغير قصد.

فلنفتح باب الاعتذار "التسامح" ونفتح صفحة جديدة مع بداية  التغيير
  للمرحلة المقبلة، في مبادرة متواضعة لمحاسبة النفس وتصفية القلوب
وتطهير النوايا من الدنس لمن تعتذر ونفتح معه صفحة جديدة؟ ".

ما دام الله سبحانه وتعالى يسامح .. فمن يكون الإنسان بجانبه حتى لا يسامح
وهذا ليس ضعفا .. انما مقدرة.

وكما قال الرسول "عليه الصلاة والسلام" العفو عند المقدرة . والتسامح من شيم الكرام.


فضيلة الاعتذار
هذه الحياة، التي نعيشها، تغدق علينا بأيام سعيدة كما تمطرنا بأيام حزينة، نتعامل
معها من خلال مشاعرنا، فرح، وضيق، وحزن، ومحبة، وكره، ورضا، وغضب.
جميل أن نبقى على اتصال بما يجري داخلنا لكن هل هذا يعطينا العذر أن نتجاهل
مشاعر الغير؟ أن نجرح مشاعرهم و نتعدى على حقوقهم أو أن نهين كرامتهم؟
للأسف هذا ما يقوم به الكثير منا معتقدين بأننا مركز الحياة وعلى الآخرين أن
يتحملوا ما يصدر عنا. قد نخطي ولكن دائما لدينا الأسباب التي دفعتنا إلى ذلك.
فتجدنا ابرع من يقدم الأعذار لا الاعتذار، نحن لا نعاني فقط من الجهل بأساليب
الاعتذار ولكننا نكابر ونتعالى ونعتبر أن الاعتذار هزيمة أو ضعف أو إنقاص
للشخصية والمقام وكأننا نعيش في حرب دائمة مع الغير فتجد أن المدير لا يعتذر
للموظف لأن مركزه لا يسمح له بذلك، اليوم نجد بين من يدعي التمدن والحضارة
باستخدام الكلمات الأجنبية !!
Sorry / pardon ( آسف / عفوا ) في مواقف عابره مثل الاصطدام
الخفيف خلال المشي
عندما نعرف بعض الكلمات الأجنبية والتي غالباً نجدها مكسرة !!
ولكن عندما يظهر الموقف الذي يحتاج إلى اعتذار حقيقي نرى تجاهلا
أنــــــــــا آســـــــــــــــــف
كلمتان لماذا نستصعب النطق بهما !!؟؟

كلمتان لو ننطقهما بصدق لذاب الغضب ولداوينا قلبا مكسورا أو كرامه
مجروحة ولعادت المياه إلي مجاريها في كثير من العلاقات المتصدعة.

كم يمر علينا من الإشكاليات التي تحل لو قدم اعتذار بسيط بدل من تقديم
الأعذار التي لا تراعي شعور الغير أو إطلاق الاتهامات للهروب
من الموقف .. لماذا كل ذلك؟

ببساطه لأنه من الصعب علينا الاعتراف بالمسؤولية تجاه تصرفاتنا لان الغير
هو من يخطي وليس نحن، بل في كثير من الأحيان نرمي اللوم على الظروف
أو على أي شماعة أخرى بشرط أن لا تكون شماعتنا.

أن الاعتذار مهارة من مهارات الاتصال الاجتماعي مكون من ثلاث نقاط أساسيه.
أولاً: أن تشعر بالندم عما صدر منك.
ثانياً: أن تتحمل المسؤولية.
ثالثاً: أن تكون لديك الرغبة في إصلاح الوضع.

لا تنس أن تبتعد عن تقديم الاعتذار المزيف مثل أنا آسـف ولكن وتبدأ في سرد
الظروف التي جعلتك تقوم بالتصرف الذي تعرف تماما انه خاطئ أو تقول أنا
آسـف لأنك لم تسمعني جيدا هنا ترد الخطاء على المتلقي وتشككه بسمعه.

ما يجب أن تفعله هو أن تقدم الاعتذار بنيه صادقه معترفا بالأذى الذي وقع على
الأخر ويا حبذا لو قدمت نوعا من الترضية ويجب أن يكون الصوت معبرا وكذلك
تعبير الوجه، أو انتقاء الأسلوب لو كان كتابة.

هناك نقطه مهمة يجب الانتباه لها ألا وهي انك بتقديم الاعتذار لا يعني
بالضرورة أن يتقبله الأخر.

أنت قمت بذلك لأنك قررت تحمل مسؤولية تصرفك. المهم عليك أن تتوقع عند
تقديم الاعتذار، أن المتلقي قد يحتاج إلى وقت لتقبل أعذارك وأحيانا أخرى قد
يرفض اعتذارك وهذا لا يخلي مسؤوليتك تجاه القيام بالتصرف السليم نحو الآخر.

ما هو الإعتذار؟ وكيف نتناوله؟ ولماذا؟
هو تقدير العذر لمن وقع في خطأ غير مقصود وهو الاعتذار عن خطأ وقعنا
به وهي حالة روحية لها تأثير
قلوبنا تتفرع منه العاطفة ومن العاطفة يتفرع الإحساس وهي قدرة التعامل مع
الآخرين ومنحهم حقوقهم المستحقة وهي حالة تقدير واستشعار وإحساس بالآخر
وفن من فنون التعامل يرفع من معنويات الأشخاص المستحقين للاعتذار
ويرفع من مكانة قائلها.
الاعتذار ليس انتقاص من المكانة أنما رفعة لها
الذي يعتذر دليل اعتذاره يؤكد شجاعته بينما الذي لم يعتذر هذا يؤكد أنه ليس
شجاع فالشجاعة ليست هي مواجهة الأخطار والمواقف الصعبة فقط أنما مواجهة
الأخطاء والمواقف المحرجة أيضا والاعتراف بالخطأ شجاعة ودليل على طيبة
النفس لأن المعتذر لم يفكر في نفسه ومشاعره وأحاسيسه فقط أنما فكر في أنفس
الآخرين ومشاعرهم وأحاسيسهم بينما الأناني هو من يفكر بنفسه دون الاهتمام
بالآخرين والاعتذار دليل التواضع والله سبحانه وتعالى يحب المتواضعين لأن
اعتذاره يجعل مكانته بشرية
بلا عنصرية أو سيادية أو اعتلاء بينما الذي يرفض الاعتذار هو من أصابه
الكبر والاعتلاء وأصبح أسير الغرور
وهذا يجعله مكروه عند الآخرين عكس المتواضع الذي هو محبوبا عند الآخرين
فالمعتذر هو إنسان بينما الذي لا يعتذر شيطان لأنه ليس ملاك فالملاك لا يقع
بخطأ والإنسان يقع بخطأ لهذا يجب أن يعتذر والشيطان هو من عصى وتكبر
ولم يتوب وأعوانه هم من لا يعتذرون أنما يتكبرون كما أن الاعتذار هو إعطاء
الآخرين حقوقهم بينما عدم الاعتذار ظلم للآخرين وسلب لحقوقهم والله لا يحب
المعتدين لأنهم ظالمين فالاعتذار وسيلة لإصلاح القلوب وتطهير الأنفس وإسعاد
الأرواح وتعميم الطيبة والتواضع وإعطاء الآخرين حقوقهم وسيادة المحبة
والعطف والاستشعار والإحساس بالآخرين وهي تؤكد المحبة، والرحمة بينما
عدم الاعتذار يؤجج المشاعر ويزيد الغل والبغض والحسد
والحقد والكره والعدوان والجفاء

ما يمهده الاعتذار
  يمهد للاحترام ومحبة الآخر للآخر في إعطائه حقه المستحق وهي تؤكد
الاستشعار بالآخرين والإحساس بهم وتساهم في صلة الأرحام وتعميم
الصدقات وإسعاد الآخرين وتؤكد إنسانيتنا في التعامل
والأخذ والعطاء والاحتكاك والاتصال وهذه تؤكد النية الحسنة والصفة
الطيبة والرحمة القلبية والحكمة
والتعقل في تقدير الآخرين واحترامهم بجلب هدايا والاعتذار عن ما بدر وهي
تحدي الشيطان الذي يريد العداوة والتفرقة والبغضاء الأبدي وهي وسيلة
لتصفية الأنفس وتزكية القلوب وتفتح العقول

ما الذي يمهده عدم الاعتذار
يمهد للجفاء والعداوة والبغض والكره والغل وتصبح العلاقات ذات
جفاء ويسكن في القلب الغرور والكبر والاعتلاء والحقد والحسد ويساهم في قطع
الأرحام وتعميم الظلم وسلب الحقوق والأنانية والتفكير في الأنا دون الاهتمام
لقلوب الآخرين المكسورة ولا لأنفسهم المتضايقة ولا دموعهم المسكوبة، ولا
مشاعرهم المحروقة ولا أحاسيسهم مما يصبح القلب حجرا به كبرا ويصبح
الإنسان ظالما تابعا لشيطان لعين يعتدي على حقوق الآخرين بالسلب والنهب
والكلام والقذف والقطع والجفاء وهذا ضد الرحمة ومن كان ضدها
فهو بعيد عن الرحمن الرحيم

معلومة
من لا يسامح الآخرين لن يسامحه آخرين ومن لا يعتذر لا يتوقع بأن أحد له
سيعتذر وسيصبح أسير الكبر ومكروه ومن كان فاعلا للشر هو بعيدا
عن كل خير ومن ليس معه الله فهو ليس معه شي لأن كل شي ملك لله.
كلمة آسف تقال لمن أخطأت عليه وكلمة العفو تقال لمن زللت عليه
وسامحني لمن ظلمته وأعذرني لمن استعجلت في الحكم عليه.

وأخيرا
من يريد أن يصبح وحيدا فليتكبر وليتجبر وليعش في مركزه الذي لا يراه سواه،
ومن يريد العيش مع الناس يرتقي بهم لا عليهم فليتعلم فضيلة الاعتذار.
وفقكم الله ودمتم بكل خير

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Recent Posts